فصل: تفسير الآية رقم (109):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (109):

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109)}
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً} رد لقولهم {لَوْ شَاء رَبُّنَا لأَنزَلَ ملائكة} وقيل معناه نفي استنباء النساء {يُوحِي إِلَيْهِمُ} كما يوحي إليك ويميزون بذلك عن غيرهم. وقرأ حفص {نُوحِي} في كل القرآن ووافقه حمزة والكسائي في سورة (الأنبياء). {مّنْ أَهْلِ القرى} لأن أهلها أعلم وأحلم من أهل البدو. {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ في الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ} من المكذبين بالرسل والآيات فيحذروا تكذيبك، أومن المشغوفين بالدنيا المتهالكين عليها فيقلعوا عن حبها. {وَلَدَارُ الآخرة} ولدار الحال أو الساعة أو الحياة الآخرة. {خَيْرٌ لّلَّذِينَ اتقوا} الشرك والمعاصي. {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} يستعملون عقولهم ليعرفوا أنها خير. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم ويعقوب بالتاء حملاً على قوله: {قُلْ هذه سَبِيلِى} أي قل لهم أفلا تعقلون.

.تفسير الآيات (110- 111):

{حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}
{حتى إِذَا استيئس الرسل} غاية محذوف دل عليه الكلام أي لا يغررهم تمادي أيامهم فإن من قبلهم أمهلوا حتى أيس الرسل عن النصر عليهم في الدنيا، أو عن إيمانهم لانهماكهم في الكفر مترفهين متمادين فيه من غير وازع. {وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ} أي كذبتم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون، أو كذبهم القوم بوعد الإِيمان. وقيل الضمير للمرسل إليهم أي وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم بالدعوة والوعيد. وقيل الأول للمرسل إليهم والثاني للرسل أي وظنوا أن الرسل قد كذبوا وأخلفوا فيما وعد لهم من النصر وخلط الأمر عليهم. وما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن الرسل ظنوا أنهم أخلفوا ما وعدهم الله من النصر، إن صح فقد أراد بالظن ما يهجس في القلب على طريق الوسوسة. هذا وأن المراد به المبالغة في التراخي والإِمهال على سبيل التمثيل. وقرأ غير الكوفيين بالتشديد أي وظن الرسل أن القوم قد كذبوهم فيما أوعدوهم. وقرئ: {كَذَّبُواْ} بالتخفيف وبناء الفاعل أي وظنوا أنهم قد كذبوا فيما حدثوا به عند قومهم لما تراخى عنهم ولم يروا له أثراً. {جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّىَ مَن نَّشَاء} النبي والمؤمنين وإنما لم يعينهم للدلالة على أنهم الذين يستأهلون أن يشاء نجاتهم لايشاركهم فيه غيرهم وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب على لفظ الماضي المبني للمفعول. وقرئ فنجا. {وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القوم المجرمين} إذا نزل بهم وفيه بيانه للمشيئين {لَقَدْ كَانَ في قَصَصِهِمْ} في قصص الأنبياء وأممهم أو في قصة يوسف وإخوته. {عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألباب} لذوي العقول المبرأة من شوائب الإِلف والركون إلى الحس. {مَا كَانَ حَدِيثًا يفترى} ما كان القرآن حديثاً يفترى. {ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ} من الكتب الإِلهية. {وَتَفْصِيلَ كُلّ شَيْء} يحتاج إليه في الدين إذ ما من أمر ديني إلا وله سند من القرآن بوسط أو بغير وسط. {وهدى} من الضلال. {وَرَحْمَةً} ينال بها خير الدارين. {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يصدقونه. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «علموا أرقاءكم سورة يوسف، فإنه أيما مسلم تلاها وعلمها أهله وما ملكت يمينه هون الله عليه سكرات الموت وأعطاه القوة أن لا يحسد مسلماً».

.سورة الرعد:

مدنية وقيل مكية إلا قوله: {ويقول الذين كفروا... الآية} وهي ثلاث وأربعون آية.

.تفسير الآية رقم (1):

{المر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1)}
{المر} قيل معناه أنا الله أعلم وأرى. {تِلْكَ آيات الكتاب} يعني بالكتاب السورة و{تِلْكَ} إشارة إلى آياتها أي: تلك الآيات آيات السورة الكاملة أو القرآن. {والذى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَّبِّكَ} هو القرآن كله ومحله الجر بالعطف على {الكتاب} عطف العام على الخاص أو إحدى الصفتين على الأخرى، أو الرفع بالابتداء وخبره {الحق} والجملة كالحجة على الجملة الأولى، وتعريف الخبر وإن دل على اختصاص المنزل بكونه حقاً فهو أعم من المنزل صريحاً أو ضمناً، كالمثبت بالقياس وغيره مما نطق المنزل بحسن اتباعه. {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ} لإِخلالهم بالنظر والتأمل فيه.

.تفسير الآية رقم (2):

{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)}
{الله الذي رَفَعَ السموات} مبتدأ وخبر ويجوز أن يكون الموصول صفة والخبر {يُدَبّرُ الأمر}. {بِغَيْرِ عَمَدٍ} أساطين جمع عماد كإهاب وأهب، أو عمود كأديم وأدم وقرئ: {عَمَدٍ} كرسل. {تَرَوْنَهَا} صفة ل {عَمَدٍ} أو استئناف للاستشهاد برؤيتهم السموات كذلك، وهو دليل على وجود الصانع الحكيم فإن ارتفاعها على سائر الأجسام السماوية لها في حقيقة الجرمية، واختصاصها بما يقتضي ذلك لابد وأن يكون بمخصص ليس بجسم ولا جسماني يرجح بعض الممكنات على بعض بإرادته وعلى هذا المنهاج سائر ما ذكر من الآيات. {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} بالحفظ والتدبير. {وَسَخَّرَ الشمس والقمر} ذللهما لما أراد منهما كالحركة المستمرة على حد من السرعة ينفع في حدوث الكائنات وبقائها. {كُلٌّ يَجْرِى لأَجَلٍ مُّسَمًّى} لمدة معينة يتم فيها أدواره، أو لغاية مضروبة ينقطع دونها سيره وهي {إِذَا الشمس كُوّرَتْ وَإِذَا النجوم انكدرت} {يُدَبِّرُ الأمر} أمر ملكوته من الايجاد والإِعدام والإِحياء والإِماتة وغير ذلك. {يُفَصِّلُ الآيات} ينزلها ويبينها مفصلة أو يحدث الدلائل واحداً بعد واحد. {لَعَلَّكُمْ بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} لكي تتفكروا فيها وتتحققوا كمال قدرته فتعلموا أن من قدر على خلق هذه الأشياء وتدبيرها قدر على الإِعادة والجزاء.

.تفسير الآية رقم (3):

{وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)}
{وَهُوَ الذي مَدَّ الأرض} بسطها طولاً وعرضاً لتثبت عليها الأقدام ويتقلب عليها الحيوان. {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ} جبالاً ثوابت من رسا الشيء إذا ثبت، جمع راسيه والتاء للتأنيث على أنها صفة أجبل أو للمبالغة. {وأنهارا} ضمها إلى الجبال وعلق بهما فعلاً واحداً من حيث إن الجبال أسباب لتولدها. {وَمِن كُلِّ الثمرات} متعلق بقوله: {جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثنين} أي وجعل فيها من جمع أنواع الثمرات صنفين اثنين كالحلو والحامض، والأسود والأبيض والصغير والكبير. {يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ} يلبسه مكانه فيصير الجو مظلماً بعدما كان مضيئاً، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر {يُغَّشِي} بالتشديد. {إِنَّ في ذلك لآيات لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فيها فإن تكونها وتخصصها بوجه دون وجه دليل على وجود صانع حكيم دبر أمرها وهيأ أسبابها.

.تفسير الآيات (4- 5):

{وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5)}
{وَفِى الأرض قِطَعٌ متجاورات} بعضها طيبة وبعضها سبخة، وبعضها رخوة وبعضها صلبة، وبعضها تصلح للزرع دون الشجر وبعضها بالعكس. ولولا تخصيص قادر موقع لأفعاله على وجه دون وجه لم تكن كذلك، لاشتراك تلك القطع في الطبيعة الأرضية وما يلزمها ويعرض لها بتوسط ما يعرض من الأسباب السماوية، من حيث أنها متضامة متشاركة في النسب والأوضاع. {وجنات مّنْ أعناب وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ} وبساتين فيها أنواع الأشجار والزروع، وتوحيد الزرع لأنه مصدر في أصله. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وحفص {وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ} بالرفع عطفاً على {وجنات}. {صنوان} نخلات أصلها واحد. {وَغَيْرُ صنوان} متفرقات مختلفات الأصول. وقرأ حفص بالضم وهو لغة بني تميم ك {قنوان} في جمع قنو. {تُسْقَى بِمَاء واحد وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ في الأكل} في التمر شكلاً وقدراً ورائحة وطعماً، وذلك أيضاً مما يدل على الصانع الحكيم، فإن اختلافها مع اتحاد الأصول والأسباب لا يكون إلا بتخصيص قادر مختار. وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب {يسقى} بالتذكير على تأويل ما ذكر، وحمزة والكسائي يفضل بالياء ليطابق قوله: {يُدَبّرُ الأمر} {إِنَّ في ذلك لآيات لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يستعملون عقولهم بالتفكر {وَإِن تَعْجَبْ} يا محمد من إنكارهم البعث. {فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} حقيق بأن يتعجب منه فإن من قدر على إنشاء ما قص عليك كانت الإِعادة أيسر شيء عليه، والآيات المعدودة كما هي دالة على وجود المبدأ فهي دالة على إمكان الإِعادة من حيث إنها تدل على كمال علمه وقدرته وقبول المواد لأنواع تصرفاته. {أَءِذَا كُنَّا تُرَاباً أَءِنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ} بدل من قولهم أو مفعول له، والعامل في إذا محذوف دل عليه: {أَءِنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ}. {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ} لأنهم كفروا بقدرته على البعث. {وَأُوْلَئِكَ الأغلال في أعناقهم} مقيدون بالضلال لا يرجى خلاصهم أو يغلون يوم القيامة. {وَأُوْلئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} لا ينفكون عنها، وتوسيط الفصل لتخصيص الخلود بالكفار.

.تفسير الآية رقم (6):

{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6)}
{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالسيئة قَبْلَ الحسنة} بالعقوبة قبل العافية، وذلك لأنهم استعجلوا ما هددوا به من عذاب الدنيا استهزاء. {وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ المثلات} عقوبات أمثالهم من المكذبين فما لهم لم يعتبروا بها ولم يجوزوا حلول مثلها عليهم، والمثلة بفتح الثاء وضمها كالصَدُقَة والصُدْقَة، العقوبة لأنها مثل المعاقب عليه، ومنه المثال للقصاص وأمثلت الرجل من صاحبه إذا اقتصصته منه. وقرئ: {المثلات} بالتخفيف و{المثلات} بإتباع الفاء العين و{المثلات} بالتخفيف بعد الاتباع، و{المثلات} بفتح الثاء على أنها جمع مثلة كركبة وركبات. {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ} مع ظلمهم أنفسهم، ومحله النصب على الحال والعامل فيه المغفرة والتقييد به دليل على جواز العفو قبل التوبة، فإن التائب ليس على ظلمه، ومن منع ذلك خص الظلم بالصغائر المكفرة لمجتنب الكبائر، أو أول المغفرة بالستر والإِمهال. {وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العقاب} للكفار أو لمن شاء، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «لولا عفو الله وتجاوزه لما هنأ أحد العيش، ولولا وعيده وعقابه لاتكل كل أحد».

.تفسير الآيات (7- 8):

{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7) اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)}
{وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ} لعدم اعتدادهم بالآيات المنزلة عليه واقتراحاً لنحو ما أوتي موسى وعيسى عليهما السلام. {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ} مرسل للإنذار كغيرك من الرسل وما عليك إلا الإِتيان بما تصح به نبوتك من جنس المعجزات لا بما يقترح عليك. {وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ} نبي مخصوص بمعجزات من جنس ما هو الغالب عليهم يهديهم إلى الحق ويدعوهم إلى الصواب، أو قادر على هدايتهم وهو الله تعالى لكن لا يهدي إلا من يشاء هدايته بما ينزل عليك من الآيات. ثم أردف ذلك بما يدل على كمال علمه وقدرته وشمول قضائه وقدره، تنبيهاً على أنه تعالى قادر على إنزال ما اقترحوه وإنما لم ينزل لعلمه بأن اقتراحهم للعناد دون الاسترشاد، وأنه قادر على هدايتهم وإنما لم يهدهم لسبق قضائه بالكفر فقال: {الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى} أي حملها أو ما تحمله على أي حال هو من الأحوال الحاضرة والمترقبة. {وَمَا تَغِيضُ الأرحام وَمَا تَزْدَادُ} وما تنقصه وما تزداده في الجنة والمدة والعدد، وأقصى مدة الحمل أربع سنين عندنا وخمس عند مالك وسنتان عند أبي حنيفة. روي أن الضحاك ولد لسنتين وهرم بن حيان لأربع سنين وأعلى عدده لا حد له. وقيل نهاية ما عرف به أربعة وإليه ذهب أبو حنيفة رضي الله عنه، وقال الشافعي رحمه الله أخبرني شيخ باليمن أن امرأته ولدت بطوناً في كل بطن خمسة. وقيل المراد نقصان دم الحيض وازدياده، وغاض جاء متعدياً ولازماً وكذا ازداد قال تعالى: {وازدادوا تِسْعًا} فإن جعلتهما لازمين تعين إما أن تكون مصدرية. وإسنادهما إلى الأرحام على المجاز فإنهما لله تعالى أو لما فيها. {وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} بقدر لا يجاوزه ولا ينقص عنه كقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَئ خلقناه بِقَدَرٍ} فإنه تعالى خص كل حادث بوقت وحال معينين، وهيأ له أسباباً مسوفة إليه تقتضي ذلك. وقرأ ابن كثير {هَادٍ} {ووالٍ} و{وواق} {وَمَا عِندَ الله بَاقٍ} بالتنوين في الوصل فإذا وقف وقف بالياء في هذه الأحرف الأربعة حيث وقعت لا غير، والباقون يصلون ويقفون بغير ياء.

.تفسير الآية رقم (9):

{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)}
{عالم الغيب} الغائب عن الحس. {والشهادة} الحاضر له. {الكبير} العظيم الشأن الذي لا يخرج عن علمه شيء. {المتعال} المستعلي على كل شيء بقدرته، أو الذي كبر عن نعت المخلوقين وتعالى عنه.